أزمة إنتاج النفط بين السعودية والولايات المتحدة وأثرها على أسعار النفط العالمية

بدو أن الاتجاه الصعودي يتماشى مع النفط، على مدار شهر أكتوبر لعب عدد من المحفزات الصعودية دورًا في دفع أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت نحو الأعلى بنحو 8%.

بسبب تخفيضات أوبك بلس ستشهد سوق النفط العالمية نقصًا بمقدار 2 مليون برميل يوميًا بدءًا من نوفمبر، ورفعت أوبك من توقعاتها للطلب طويل الأجل وحذرت من أن نقص الاستثمار في الصناعة قد يبقي العرض أكثر ضيقًا لفترة أطول.

في الوقت نفسه، أنهت الولايات المتحدة برنامج إطلاق الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية (SPR)، مع انخفاض المخزونات إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1983 وتزايد الضغط السياسي الذي دعا إلى تجديد الاحتياطيات مع اقتراب الانتخابات النصفية.

كما تعثر التقدم بشأن الاتفاق النووي الإيراني بعد أن زودت إيران روسيا بطائرات بدون طيار لحرب أوكرانيا محطمة الآمال في عودة البراميل الإيرانية إلى السوق في أي وقت قريب.

أوبك بلس تخطط لخفض مليوني برميل اعتبارًا من نوفمبر

ارتفعت أسعار النفط خلال الأسابيع القليلة الماضية للمرة الأولى منذ مايو وسط توقعات بأن أوبك بلس ستخفض إنتاج النفط لتشديد السوق، وصعدت العقود الآجلة للخام الأمريكي فوق 88 دولار للبرميل مرتفعة نحو 11% في شهر أكتوبر مسجلًا أكبر مكاسب شهرية منذ يناير الماضي.

هذا وقد أقرت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك بلس) وحلفاؤها خفض مستويات الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا اعتبارًا من نوفمبر وهو أكبر خفض منذ تفشي الوباء العالمي، هذه التخفيضات هي بداية فترة عدم اليقين بشأن إمدادات النفط العالمية مع اقتراب فصل الشتاء، في حين من المقرر أن يفرض الاتحاد الأوروبي أيضًا عقوبات رسمية على إمدادات النفط الروسية في ديسمبر، فقدت أسعار النفط الخام ربع قيمتها منذ يونيو حيث أن المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وتشديد السياسة النقدية قد يضعف الطلب.

مع دخول عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا حيز التنفيذ في الخامس من ديسمبر وخطة أوبك بلس لخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا، من المتوقع أن تستمر أسعار سوق النفط في الارتفاع.

أمن الطاقة أشعل الخلاف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية

تعتقد الولايات المتحدة أن تخفيضات الإنتاج التي تقودها السعودية غير مناسبة ومهينة لبايدن وهذا يعني أن السلطات الأمريكية تتدخل في سوق الطاقة لضمان أمن الطاقة، بينما تعتقد المملكة العربية السعودية أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل.

منذ نهاية الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين لأوبك بلس في 5 أكتوبر، لا يزال قرارات الاجتماع هو الحدث الملفت للنظر في سوق تداول النفط الدولية وعلى المسرح الدبلوماسي، وذلك لأنه أوضح أن هناك خلاف شائك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وقد أظهر هذا الخلاف غضب غير مسبوق للولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية والآخر هو الصرامة غير المسبوقة للمملكة العربية السعودية ضد الولايات المتحدة.

لماذا رفضت السعودية طلب بايدن للمساعدة في خفض أسعار النفط؟

ووفقًا لتقارير إعلامية، قبل الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين لأوبك بلس كان للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تفاعل رفيع المستوى للغاية بشأن هذا الاجتماع، حيث قدمت طلبًا واضحًا بأنها لا تريد خفض مستويات الإنتاج، ولكن بعد الاجتماع كان السؤال الكبير لجميع مراقبي ومحللي أسواق النفط الدولية هو: لماذا رفضت السعودية طلب الولايات المتحدة؟.

في 10 أكتوبر 2022 نشر موقع النفط العالمي مقالًا عن بلومبرج بعنوان “لماذا ترفض المملكة العربية السعودية طلب بايدن للمساعدة في خفض أسعار النفط”، وتم تحليل الأسباب المحتملة من أربعة جوانب.

وأشار المقال إلى أن السعودية قادت أوبك بلس لاتخاذ قرار مفاجئ بخفض إنتاج النفط الخام والحفاظ على أسعار النفط المرتفعة وسط مخاوف عالمية بشأن التضخم، واتهمت الولايات المتحدة السعودية بالوقوف إلى جانب روسيا، وتصر أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم على أن القرار كان مدفوعا باعتبارات اقتصادية وليس سياسية.

تمثل هذه الخطوة لحظة بالغة الأهمية في التحالف المستمر منذ أكثر من 70 عامًا بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، قبل أقل من ثلاثة أشهر زار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” المملكة العربية السعودية سعيا لزيادة الإنتاج للمساعدة في خفض أسعار النفط، فيما يلي بعض الأسباب المحتملة لفعل المملكة العربية السعودية ذلك:

النفط والأمن

تدعم العلاقة بين المملكة العربية السعودية والنظام الملكي في الشرق الأوسط والقوى الغربية العظمى حقيقة أن الولايات المتحدة تزود المملكة العربية السعودية بالحماية العسكرية مقابل إمداد موثوق للنفط.

لكن قبل زيارة بايدن إلى جدة في يوليو بفترة طويلة، قال مسؤولون سعوديون إن طبيعة الشراكة بين واشنطن والرياض تغيرت بشكل جذري وأصبحت غير متوازنة.

تحاول الولايات المتحدة إحياء الاتفاق النووي مع إيران في منطقة الرياض، والسعودية متورطة في الحرب في اليمن، جادلت دول الخليج بأن افتقار واشنطن للحماية من حرب من قبل وكلاء مدعومين من إيران أدى إلى تصعيد التوترات والخلافات في الرأي.

لطالما اشتكى المسؤولون الخليجيون بشكل خاص من محاولة الولايات المتحدة إجبارهم على اتخاذ مواقف سياسية معينة، وفقًا لشخص مطلع على المناقشات داخل أوبك بلس، تأخر المسؤولون الأمريكيون في إدراك أن الترهيب لا يجدي وأن واشنطن بحاجة إلى تبني نظام جديد قائم على المصالح المشتركة.

النفوذ السعودي

قبل أربع سنوات أدى مقتل الصفحي “جمال خاشقجي” إلى شبه طرد لولي العهد من قبل نظرائه الدوليين، لكن لا تزال هناك مؤشرات على أن ثقته وطموحاته لم تتضاءل، في الشهر الماضي اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة غير عادية بإعلانها أن ولي العهد قد ساعد في التوسط في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا مما جعل القائد المعين وسيطًا دوليًا.

في الداخل، أصبح أيضًا رئيسًا للحكومة رسميًا وتولى منصب رئيس الوزراء الإضافي من والده الملك، يعتقد محاموه أن هذه الخطوة تحميه من الإجراءات القانونية الأمريكية المتعلقة بخاشقجي.

عاد قادة آخرون لاحتضانه مع اشتداد أزمة الطاقة في أعقاب حرب روسيا مع أوكرانيا، بالإضافة إلى بايدن استضاف ولي العهد قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا هذا العام، لقد كان يعمل بحذر على إصلاح العلاقات مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي يسعى للحصول على استثمارات مما يُتوقع أن يكون أحد أسرع الاقتصادات نموًا في مجموعة العشرين.

الاقتصاد

قال وزير الطاقة السعودي إن قرار أوبك بلس كان مدفوعًا بأساسيات السوق وأن المنظمة بحاجة إلى أن تكون استباقية في أوقات التقلبات الشديدة في السوق، وفي مقابلة مع التلفزيون السعودي قال أمين عام منظمة أوبك إن التخفيضات تستند إلى مؤشرات على ركود عالمي وشيك.

قال اقتصاديون في بنك الاستثمار السعودي الراجي كابيتال في الشهر الماضي إنه بناء على البيانات يتوقع المسؤولون تداول خام برنت بنحو 76 دولار للبرميل العام المقبل، هذا أقل بنحو 20% من أسعار النفط هذا الأسبوع وأقل بكثير مما توقعه معظم المحللين، ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تتوقع المملكة العربية السعودية أن تحقق ميزانية 2023 بالكاد فائضًا قدره 9 مليارات ريال (2.4 مليار دولار)، بانخفاض عن التقديرات السابقة.

قوة التوازن

يعتقد المسؤولون الخليجيون أنهم بحاجة إلى موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا، حيث تلعب روسيا دورًا مهمًا ليس فقط في أسواق الطاقة ولكن أيضًا في النزاعات الإقليمية من سوريا إلى ليبيا، بشكل حاسم تشارك روسيا أيضًا في مفاوضات مع إيران، وعلى عكس الولايات المتحدة، لا تنتقد روسيا المملكة العربية السعودية بشأن قضايا حقوق الإنسان.

قالت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الإقليميون الذين لم ينضموا بعد إلى العقوبات بسبب حرب موسكو مع أوكرانيا، إن عزل روسيا بالكامل قد يأتي بنتائج عكسية، كما أنهم يشتبهون في أن الولايات المتحدة تحاول معاقبة روسيا من خلال تقييد سعر صادراتها من الطاقة، وتحويل قوة التسعير بشكل فعال من البائعين إلى مشتري الطاقة.

توقعات سوق النفط في وكالة الطاقة الدولية حتى عام 2035

ذكر أحدث تقرير عن سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية إن خطة مجموعة أوبك بلس لتقليص إمدادات النفط إلى السوق بشكل حاد قد أخرجت مسار نمو إمدادات النفط عن مسارها خلال الفترة المتبقية من 2022 و 2023، مما أدى إلى ارتفاع مستويات الأسعار التي أدت إلى تفاقم تقلبات السوق، ويعتبر ذلك تصعيد مخاوف أمن الطاقة، وقد ارتفعت أسعار النفط الخام المعيارية بنحو 14 دولار للبرميل من أدنى مستوياتها في سبتمبر، وبينما يقترب خام برنت مرة ​​أخرى من مستوى 100 دولار للبرميل.

أشارت وكالة الطاقة الدولية أيضًا في دراستها لتوقعات الطاقة العالمية (WEO) إلى أن الطلب على النفط لم يصل إلى ذروته بعد، على الرغم من الجهود المبذولة للانتقال إلى بدائل أكثر مراعاة للبيئة، وقالت إن الطلب على النفط الخام سيبدأ في الاستقرار بحلول عام 2035، بينما ترى أوبك أن الطلب على النفط في عام 2023 سيتجاوز مستويات 2019.

قد يهمك أيضاً :-

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *